المعارضة العجوز: كيف تكسب؟

Image

 

في فعالية خاصة بالعاصمة البريطانية (لندن) مطلع الشهر الجاري، قدمت ورشة عمل مصغرة، حملت بعنوان: (المعارضة في البحرين: أي واقع؟ وأي مستقبل؟).

الورشة تضمنت تدريباً يعتمد على المشاركة في حوار/تفاوض مباشر وحاسم بين الدولة والمعارضة؛ بشتى أطيافها. ولأن جميع المشاركين في الورشة (معارضون)، أجرينا (قرعة) ليتطوع البعض بتمثيل (السلطة). ولحسن الحظ، كان التقسيم منصفاً، إذ تقاسم (الإصلاحيون) و(الإسقاطيون) الفريقين؛ السلطة، والمعارضة.

لعبت وأحد الأصدقاء دور (الوسطاء الخارجيين) بين الفريقين، وفيما أمسك الصديق بوفد المعارضة، تعهدت بمهمة الوساطة مع وفد السلطة.

لم تكتمل جلسة الحوار، ولم تصل إلى نتائج، بل وتم تعليقها أكثر من مرة، لا لخلافات حادة بين الوفدين، بل لإجراء وساطات جانبية (اضطرارية) داخل وفد المعارضة. ورغم نجاحنا في إقناع وفد السلطة بضرورة تقديم مبادرة حسن نية بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وإغلاق الملفات القضائية إلا أن وفد المعارضة لم يستطع المرور من هذه النقطة لما يليها من جدول الأعمال.

فعلياً، إن ما بذله وفد المعارضة من جهد في الجدال (الداخلي) كان أكثر مما بذله في التفاوض مع السلطة التي كان وفدها هادئاً، و(واضحاً) طوال التمرين.

بعد التمرين؛ كانت الدهشة كبيرة على وفد المعارضة حين أخبرتهم أن وفد السلطة كان مستعداً إلى تقديم تنازلات مهمة كحل نهائي، تصل إلى تحقيق ما لا يقل عن 95% من وثيقة المنامة.

المشاركون في التمرين أكدوا أن من أهم نتائج التمرين هو أن (الإختلافات) داخل المعارضة كانت المعوق (الحقيقي) في عملية التفاوض، وأقر كثيرون بأن وفد السلطة (التمثيلي) كان يؤدي دور السلطة (الحقيقي) بجدارة، ووضوح، وفاعلية.

ومن فضاء (التمرين) إلى الحقيقة، ومع البيان الأخير لقوى المعارضة (الجمعيات السياسية) حول الحوار، وما أكده من أن الحوار الذي انطلق في فبراير 2014 لم يكن جاداً منذ لقاء السلمانيّن – أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان وولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، تعود المعارضة، ومعها المشهد السياسي في البلاد إلى حال (الجمود) في إنتظار الجولة الجديدة من الحوار.

جديد هذه الأيام أيضاً، وما تتفرج عليه السلطة، هي حرب التنظير السياسي والفقهي حول العنف والمقاومة، بين طرفين، الجمعيات السياسية وفي مقدمتها الوفاق و”العلمائي” من جهة، وجماعات الإسقاط المحسوبة على التيار الولائي والتيار الشيرازي من جهة أخرى.

التصريحات الأخيرة للشيخ علي سلمان حاولت معالجة الموضوع (سياسياً)، وبيان العلمائي ألقى ورقة الشيخ عيسى قاسم بوصفه القيادة الشرعية والرشيدة للحراك، لكن ذلك كله من لم يستطع الحد من تصاعد الحرب الإعلامية المستعرة بين أطياف المعارضة حول (العنف/ المقاومة)، وبما يشمل موضوعة (القيادة) للحراك السياسي في البلاد. تشتعل في “تويتر” و”الواتساب” وغيرها من وسائل الإعلام الإجتماعي مناقشات وحلقات الجدل حول العنف، وبما يشمل تنظيرات فقهية معمقة، تشابه إلى حد ما الثنائية الرائجة في التسعينات بين الشيخين الكبيرين الراحلين: عبدالأمير الجمري وسليمان المدني، رحمهما الله.

في الخلاصات، أزعم أن هذه الفوضى ليست إيجابية، أو خلاقة، وأن من كانوا يتحدثون منذ فبراير 2011 عن أن الإختلاف داخل المعارضة ظاهرة (صحية)، وأن إختلاف (الآليات) لا يلغي وحدة (الهدف) كانوا جميعاً مخطئين، وأنهم يحصدون اليوم، وسيحصون غداً، المزيد من عواقب إهمال هذه الخلافات/ الإختلافات ومراكمتها. يخبرنا الواقع اليوم ان الإختلافات تتعمق، وان الفرز السياسي يكبر، وان إعلانات القطيعة، تقترب.

منذ عامين وشارع المعارضة يغرق، في الوثائق، وفي المناظرات، وفي المناقشات، وفي المكاشفات (اللينة) غالباً حول المواقف والمفاهيم، ومنها؛ (الإصلاح/ الإسقاط/ الملكية الدستورية/ السلمية/ الحزبية/ العنف/ المقاومة/ الحوار/ التفاوض)، واليوم، يعمل كل طرف/ فريق على إفساد وتخريب مشروع الآخر، بل أصبح هذا (الإفساد/ التخريب) (أولوية) في حسابات الفرقاء، على مواجهة السلطة ذاتها.

تمشي المعارضة وشارعها اليوم كما يمشي رجل عجوز ثقيل الذاكرة، (مشوش) الأفكار، أرهقته مشقة الطريق، وأعياه الزمن، كلما سارع خطاه برجل نحو هدفه أعاقته الأخرى، ليسقط مرة ثانية. فكيف يصل الرجل العجوز؟ وكيف تنتصر هكذا معارضة؟

 

أضف تعليق